Photo by Pembegül Dal: pexels

"هيه" أراد أحد الساريَين ليلة حالكة في يقول "أترى ما يتطرف عليه أبصاري"،"ماذا؟"

أهمل الآخر من عدم التوجه إلى ما قاله فريقه،"هناك ، عله شبح في أقوام المخلقات" أشار
الأول،المسمى بـ "كبير" ببنانه الخنصر من يده اليسرى ـ

"ذاك؟ نعم، لا فيها إلا القذرات" أعرض الثاني، ليو، أبصاره عنه و أدمن في إرسالات 

واتساب،"لا يا غالي! إن هي إلا جثة تتحرك و تضطرب" قال كبير، وأردف قائلا:’’فلنحفص مرة لإزالة الريبة، أيعسر عليك ذلك". فأزمعا في مسيرهما حتى وصلا إلى أقوام المخلقات فاذا هي جثة ملقاة هائمة هيمان الروح الحائر في ظلمات القبور فما كاد يروم من حيث كان ولم يكن لمثله أن يحيا على مثل ذلك،فلم يلبث بأن قد خر صعقا، وأفاق بعد حين، أخذ أحدهم، يتصفح قدر ما يمكن مما به من الدماء المتسلسلة المغرورقة و المنجمدة،فملسا به إلى المستشفى، أدخله في القاعة الطارئية سرعان ما يمكن.

هل الدهر يعبث بامرءٍ هكذا ما عبث؟، أيعاقب أحد هكذا؟ ، ولكن لأية جريمة عوقب مثل ما عوقب؟ ، كانت تدور رحي الأسئلة المترددة في خواطرهما، وما النوم يكاد يغلب حتى انبثق نور الفجر، تفرغ كبير ليصلي.

رجع بعد برهة، فبينما هما يتطرقان في ما أصاب المصاب به،خرج أحد الأطباء من الغرفة الطوارئة، فإذا هو يبحث عن أهل أرمان ،"أي واحد من أهل أرمان"،فإذا أشارت الممرضة إليهما حتى إنتهى إليهما الطبيب، قاما متحيرين بأن كان المهجوم عليه هو أخوهما الشقيق، فما لبث الأول أخذ يسأل عن أحوال المدخول "أهو سالم أم لا،أجرائحه تشفع من بلسم عندك؟"،"أم ننتقل معه إلي المستشفيات في مدينة كذا و كذا انقطعه الآخر، فالطبيب يهوم و ترتعش نفسه بما يقول والعقل غير عاجز عن فهم حبهما،"ولكن من أنتما له وماذ بذاك الشاحب النحيل؟"، فاق الصمت لثانية، ثم تردد سؤاله فهمم الأول بصوت منحفض وذكر الذكرى وما حدث.

وما هي إلا لحظات قليلة صامتة إلا قال الطبيب "ليتني كنت مثلكم، فمن أي رغام أنتم؟"، استغرب على عاطفيتهما، فأذن لهما اللقاء بالمريض وهددهم به ’ليس له إلا ساعة أو ساعات معدودة فافعل كل ما يمكن لاتصال بأهله و تعريف نفسه".

دخلا فإذا هو مستلق على سرير من حديد، دموع مترقرقة في عينيه أمسك بين أهدابه ولا يكاد يتماسك، والوجه يربد و ألوانه تختلف و تتغير، رأسه يلوح مثل رأس الخامل المغمور أو يهوم هيمانه الروح الذاهل المشدوه بأن فوالله ما كان لأحد أن يحي علي مثل ذلك، وقد حان انتقاله إلي الدار الباقية عن قريب،أنشأت العيون تجيش واغرورقت ولم يلبث إلى أن زفر كبير زفرة لشدة مرائه "أعثره الله الذي ما عيث به هذا" فعزاه الآخر. فلما رآهما المستلقي علا صوته منتحبا "لا تعذبن ! لست من الإرهابين"، تعجب من زفرته المضطربة، وهاج في قلبهما ريبة و تحيرت أساريرهما،لقد باحت آثار المؤصد من تردد وهزل النفس المستلقية.

فأزمع كبير إليه يحن حنين الصديق الحميم، مكثا برهة مترفقين علي جانبيه، كأنهم كانوا أشقاء أولاع، بعد مهل البزة،شرع ليو يحدث وكبير ينهره من تكلم لكن ليو عرف الوقت ضياقه وما قاله الطبيب: "ما اسمك يا غالي؟".

"أنا....أنا.....؟ من أنا؟ "" إني برئي مما تفترون وما اقترقت أي مسيئة، ولا أعرف ما هو’الجهاد’؟ خلصوني، لا تضربوني،بنتاي في بيتي يتاضغون من الجوع، والبطون متحانسة، وأمهم المكتهلة مع اعلاذها دموعها تنحدر على خدها من شدة الجوع فتحفيها لئلا يراه أولادها و توادي الأمر أودا لإطفاء لوعة افلاذها. فوالله لست بمجاهد، وما أنا إلا فقير كان يبيع الأساور، ياهذا لا ئولمني، إنما بعت ذلك وهي كانت مشترية ، لم أعرف سوى هذامن".

أدهشت ذي الفقرة كليهما، فهما يذهبان بخيالها إلى حيث يشاءان أن يذهب ولكن ما وجدا سمة المظلوم، فهمهم ليو يتنفس، ولو لم يستمعه كبير، "إن مسألة هذا الشأن لجور من قبل الفئةالباغية". هدأ كبير نفس المظلوم ترتعش لما ظهر أن الدهر قد حاربه غايته.

"الله يشفيك يا أخ! وستبل يوما أسرع ما يمكن، إن شاء الله"، قال كبير، فالثاني أردف،

"ما اسمك يا أيها الأخ؟"،أجاب أنينا يئن أنين الواهة الثكلي : "محمد أرمان. وذلك هو السبب الرئيسي المسؤول لمساءة أحوالي"، فلم يزل يبكي وأخد يقلب نظره حائرا لا يفهم مما يرى شيئا ولا يسمع أحد منه إلا رنين الجريح وأنين الفقير.

وفيما بين كانوا، انصدع بعض ثغره وهو يقول: " ألا ما كان لي وللطائفين المتشددين؟" هرب كبير إلى الطبيب والممرضين، ولم يزل يلقي ما أصابه بغير جريمة وأضاف قائلا "حرفت بيع الأساور في العاصمة في ’إندور’، أبتاع بعض الأساور من الدكاكين الكبرى وأبيعها،رجل مسلم هويتي، إذ يوما قدمت امرءة لم أعرف دينها وأسرتها، ولما أعلم، أفي ذلك مصرفي؟ كلا،أنا أكيد كانت هندوسية، قامت تساومني ولم أكن غافلا عن أعين رصيدة من نواحي السوق، وأسفاه! لما لم أرم مكاني، لو فعلت ذلك، لأفلاذ قلبي لم يتضرعوا اليوم، وهم في قرية في كثب من اندور ’همالو’ _فاللّهم لن أشكو بما رزقتني وابتليتني، ربي لا تضف في ما اعطيتني على أهلي، احفظهم من العيون الفتاكة والأيادي العاتية والفئة الباغية_ فإذ شعرت بيد تلتمس كتفي، فتحيرت، وأعجلت في قيامي، فالعيون صحبتها الأيادي، هاجت لها القلوب هيجان الأحقاد الفرقية، لم أفهم حتى الآن بما عزموا لي، حتى ابتدرت إلى سمة تهدي إلى بيتي أدع مكاني وما كان في دكاني،لكن الأيادي قبضتني والنواجذ عضتني، وعبثت بي بما عبثت وسمعت أثناءه صلصلة ورنينا مع ارتفاعها ’الجهاد الحبي’، ’جهاد التحول الديني’ ، ما ذلك؟ لم أعرف ولم أفكر في ما دون الله و أهل بيتي، ثم قذفوني في المخلقات إلا قد وجدني الصالحان الرحيمان". فما انتهى كلامه وإذ هنا قدمت زوجتها وأولاده الصغار، الدموع مع الدماع تلاصقت وتلازقت وحنانه إلى لعاء أولاده حرورمض.

في تلك الفينة نفسها بدأ يرتعش ارتعاشا شديدا، وظل خطره حائرا مضطربا كأنما يخيل إليه أنه يرى بعينيه ذلك المنظر الذي حدث عنه، ثم سكن قليلا، ثم انفر باكيا بصوت عال ففتح عينيه وألقى على وجه امرأته نظرة باسمة والدموع سائلةوالدماء تنحدر مثل الماء في الغسل،ثم إلى أفلاذ قلبه كأنها ارفضت، وقال بصدء منخفض ضعيف خافت: "الله هؤلاء عيالي، في حفظك وأمانك، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله" ثم انتفض انتفاضة فاضت نفسه فيها.

"أهذا هو الجهاد؟" أنشأ يبكي، فقالت المرءة، تلوح من كلامها الوجع والألم " ليتهم يفهموا ’الجهاد’ فاللفظ مسلم والمقتول مسلم وذلك ألا وهو الجهاد الهندي للأقلية المسلمة". فعزّا و دفعا ببطاقتهما الصرافة وانصرفا مغمومين.

"يا ليت! لم يكن مجال لـ’ليت’ في مسائل حقوق الأناس"، سعى الطبيب يختبي الدموع بين أهدابها و أنشد قائلا:

ألا إنما الدنيا بلاغ لغاية فإما إلى غي وإما إلى رشد 

.     .     .

Discus